تذكرت حكاية !!!
من نعم الله على الإنسان أن وهبه ذاكرة تسمح له بالاسترجاع... و هذا ما حدث لي وأنا أتصفح المشروع التمهيدي للمرسوم المتضمن القانون الأساسي لموظفي التربية الوطنية.... فقد تذكرت بداية مشواري في ميدان التعليم، وتذكرت لقائي الأول مع صديق أنعم الله عليه...
أنعم الله عليه إذ أنه لم يدخل يوما المدرسة...
وأنعم عليه إذ أدخله من باب محو الأمية...
وأنعم عليه (بعد محو الأمية) بنعمة تعليم الأولاد في المرحلة الابتدائية....
و بما أن يد صاحبي طويلة في (النضال) فقد أنعم الله عليه بالرقي إلى تعليم الأشبال في المرحلة المتوسطة...
و زاده نعمة (وهو صاحب جاه) أن صعّده درجة فأصبح أستاذا في التعليم الثانوي بعد مكوثه بضع سنوات في (طابور) الجامعة...
وما إن التقينا حتى افترقنا، فأنا المبتدئ في ميدان التعليم بشهادة مهندس دولة، وهو الخبير بشهادة...... ، وقد كان الفراق بأن أنعم الله عليه بمنصب نائب مدير للدراسات.
ما كادت تنقطع عني أخباره، حتى بشرني أحد معارفي بحصول صديقي على منصب مدير ثانوية...
فمبارك لصديقي تصنيفه الجديد 15 في سلم الوظيف العمومي ... ومبارك لي التصنيف الجديد 13 ... ويحيا العلم.
لماذا تذكرت هذه القصة؟ لأن صديقي يؤمن بأن الرجل المناسب في المكان المناسب!!! و يؤمن بأنه يستطيع الوصول إلى آخر درجة في السلّم دون المرور بالدرجات الدنيا!!. ويؤمن أن الإصلاح في الوظيف العمومي تم على أساس الشهادات!!! و و و لكنني لم أكن أومن بهذا...
و اليوم آمنت....
آمنت أن الشهادات التي يتكلمون عنها ليست الشهادات العلمية التي نعرفها، ويتكلمون عن الكفاءة لكن ليست الكفاءة التي نحوزها، فهم يتكلمون لغة نفهمها لكن لا نفهم معانيها...
فمثلا (والأمثلة كثيرة) حينما يقولون يجب على المترشح لمنصب أو في قائمة تأهيل أن يكون حاصلا على شهادة ليسانس فقد كنت أفهم أن:
ليسانس = نجاح في التعليم الأساسي (ابتدائي و متوسط) + بكالوريا + جامعة
لكنني حين قرأت المرسوم المذكور أعلاه وأعدت القراءة مرات بدأت أفهم بعض المعاني التي لم تستطع الفصحى إيصالها لي!!!!
فالمعنى لكي تترشح للمنصب يجب أن تتوفر فيك شروط غير الليسانس (ومن يتكلم عن ليسانس فالكل يحمل هذه الشهادة أو ما يعادلها) ومن بينها:
• أن لا تكون من الناجحين في البكالوريا لأن الراسب في هذه الشهادة هو الذي استثمر وقته في التعليم وليس في التعلم، وبالتالي فهو الذي يتوفر فيه شرط الأقدمية والكفاءة (مع الإدارة) ويعرف الميدان (ميدان اللعب) ويعرف (اللعاب) ويعرف (الرشام) أما الناجح فقد أهدر وقتا ثمينا في الجامعة.
• ثم هل الجامعة فقط تمنح الليسانس؟ كلا وزارتنا أيضا تمنح ليسانس لكن تسميها (ما يعادلها) فكم من معلم يجرون وراءه لإعطائه (ما يعادلها)!!!!! ومنهم من يرفض!!!!!! فإن كنت ممن قبل فقد توفر فيك الشرط الثاني.
• و لكي تكون على رأس قوائم التأهيل، يجب أن يتوفر فيك الشرط الثالث وهو أن تكون من الذين انسحبوا من المدرسة مبكرا وبشرف (قبل المرحلة الثانوية) فحظك حينئذ يكون أوفرا... لماذا؟ لأن المعادلة التي أوردت سابقا أثبتت عدم صدقها واقعيا، وهي معادلة غير موزونة وقد عوَّضَتْها المعادلة الذهبية:
بكالوريا + ليسانس = ليسانس ومنـــه بكالوريا = 0
هذا هو العلم الذي اكتشف أنني أجهله و آليت على نفسي أن أتقنه...
نوار حداد، متقن ميلة